الاكتئاب والوسواس فهما يتسببان بأمراض جسدية خطيرة
يؤكد الأطباء أن الإصابة بالاكتئاب والوسواس يؤدي إلى الإصابة بعدد كبير من الأمراض الخطيرة والقاتلة، وهذا مرتبط بنقص العناصر النادرة التالية من الجسم , مثل الزنك والنحاس والموليبيدنيوم , والفاناديوم , وبالفعل هذه اما اكتشفته بنفسي حتى وقبل أن أتوصل لهذه المعلومات ,وهذه الدراسات , إذ لا حظت تحسنا هائلا في المزاج Mood لكثير من المرضى الذين كنت أعالجهم من أمراض مختلفة , وكانوا .....ابين بالاكتئاب , علما بأن البرنامج الذي كنت أعالج فيه المرضى ليس موجها لمعاجة الاكتئاب , ولكننا اكتشفنا أنه يعالج الاكتئاب بالصدفة , وبالفعل فقد لاحظ المرضى تحسنا ملحوظا في مزاجاتهم , وزوال الأفكار السوداوية والاكتئابية , والخذل والوهن والهمود وأفكار الموت وقربه التي كانت تراودهم , واستبدلوها بتفاؤل واندفاع , ونشاط ومرح وسعادة وحبور
وقد يستغرب البعض , كيف يؤثر الغذاء على نفسية الإنسان وعقله إضافة إلى جسمه ؟
للإجابة على هذا السؤال , فلن أخوض في موضوع الطاقة , وأثر الغذاء والطعام الطيب الذي يصفه الله تعالى في القرآن الكريم " ياأيها الناس كلوا مما في الأرض حلالا طيبا " (168) البقرة , على توليد الطاقة في الجسم وأثر هذه الطاقة على نفس الإنسان وجسمه , ونفسيته وسلوكه ووجدانه ومزاجه وقراراته وفكره , فإن الكثيرين لن يقبلوا الاقتناع من وجهة نظر علم الطاقة والنفس , الذي يعتبرونه علم غير مرئي وما وراء طبيعي , وغير ملموس.
وسأبرهن ذلك من خلال الكيمياء الحيوية في جسم الإنسان , ولكن قبل أن ابدأ بذلك أود ان أسرد هاتين القصتين , وكما وردتا في كتاب العلاج بعشبة القمح , للمؤلفة الشهيرة آن وينغمور , ودون تغيير
القصة الأولى
فمنذ سنوات خلت , كان جان يملك متجرا مخصص لتربية فئران التجربة البيضاء , وكان يبيع هذه الفئران بالآلاف لكافة أنحاء العالم , وكان قد وضع في متجره كومة من العشب , ومن هذا العشب المشترك كونت الفئران بيتا مشتركا لها , ثم شقت العديد من الممرات , وبنت الحدائق المعلقة , وغرف السكن المريحة , والشرفات الصغيرة الجميلة لتربي صغارها , وكي تسود حياة الفئران السعادة والبحبوحة.
وحيث إن جاك هو اسكتلندي الأصل , وكان دائما يحرص على استنباط الوسائل لتخفيف نفقات تجارته , فقد أخذ يهتم بأسعار الحبوب الضرورية لتغذية فئرانه
وحدث أن جارا له كان يدير بيتا مأجورا وصغيرا نسبيا , وقد بدأ هذه الجار بتأمين جميع ما يتبقى من الأطعمة اليومية المستخدمة وذلك لتغذية الفئران , واستغل جان هذه الفرصة بكل ترحاب وشغف , لكي يزيد من أرباحه
ولكن عندما استبدلت الحنطة بفضلات الطعام , حلت الكارثة على مجموعة الفئران لأكلها ذات الطعام الذي يأكله الإنسان ، فقد تعكر جو التعاون والسكينة وانقلب رأسا على عقب , وانفجر العراك بين الفئران , وأخذ القتال يسيطر على ممرات القش , وخلال أسبوع واحد من الزمن انتشرت أشلاء الفئران الميتة بكثرة على أرض المكان , وكان الذكور والإناث الشرسة تأكل جراءها , والفئران الضعيفة تصرع دونما أي سبب .
عندها أدرك جان سبب الكارثة التي حلت بفئرانه للمرة الأولى والوحيدة , فعمل على التخلص من فضلات طعام الإنسان وعاد إلى غذاء الحبوب مرة اخرى , ولم تلبث النتيجة أن ظهرت للعيان , فلم يشاهد فيما بعد أي فأر ميتا أو نصف مأكول.
وليست هذه القصة من نسج الخيال , إنما هي قصة مدعومة بالوثائق لوقائع جرت.
القصة الثانية
وهناك قصة أخرى واقعية حدثت لهرتين شقيقتين بيضاوتي اللون , كانتا قد وضعتا عدد من الهرر الصغيرة في درج خزانة واحد في أول أيار , وكانت كلتا الهرتين تطعمان بغذاء نباتي ممزوج بعشبة القمح , وكان جو الألفة والانسجام يخيم على الدرج الذي تعيش فيه جراء هاتين الهرتين , إذا كانت الصغار الثمانية ترضع حليبهما الثمين دون تفريق من أي من الهرتين , ولم تكن الهررة تهتم إلا بالحصول على الحليب اللذيذ المغذي , كما لم تكن تعرف أي الهرتين أمها , ومن ثم في الخامس والعشرين من أيار طرأ تغيير على طعام الهرتين استجابة لنشرة تلفزيونية , إذ استبدل الطعام المعتاد باللحم المعلب غير الممزوج بعشب القمح , وبعد هذا بدأ جو الألفة بين الهرتين يتعرض للزوال , وفي الحادي والثلاثين من أيار أخذت الهرتان تتصارعان وتتقلبان على الأرض تخدش أحدهما الأخرى ملطختين فراءهما الأبيض بالدماء .
وفي المساء لم يقدم اللحم المعلب للهرتين واستبدل بطعام الهررة السابق والممزوج بعشب القمح , واستمرت التغذية على هذه الشاكلة , وفي مدة أسبوع فقط عادت الهرتان تتمدان بسلام كل منهما بجانب الأخرى وتتعاونان في تغذية الصغار , وأعيد هذا الاختبار مرة أخرى للتأكد من السبب في تغيير مزاج هاتين الهرتين فكانت النتيجة واحدة .
من هاتين التجربتين واللتين أجريتا على الحيوانات نستنتج دور الغذاء في سلوك الحيوانات, ونفسيتها وما يتبع ذلك من عدوانية أو سكينة او سلام .
ولكن كيف يتم ذلك على المستوى الكيميائي ؟
النواقل العصبية وسلوك الإنسان وأمراضه النفسية
مم يتكون جهازنا العصبي ؟ بكل بساطة إنه يتكون من ترليونات من الخلايا العصبية ذات الشكل الفريد , ونقول إنه شكل فريد , لأنه لا يوجد ما يشبهه بين الخلايا الأخرى من خلايا الجسم , فالخلية العصبية تتميز بوجود رأس لها , وهو ما يعرف باسم جسم الخلية , ويخرج من جسم الخلية هذا استطالة رفيعة طويلة , تمتد لمسافات تطول أو تقصر , وهي تعرف باسم محور الخلية , هذا ويشكل كل من جسم الخلية ومحورها الخلية العصبية , أو ما يعرف باسم العصبون , والغريب العجيب أنه لا يوجد عصبون واحد أو خلية عصبية واحدة تتصل تشريحيا , أي تلامس خلية عصبية أخرى , بل تكون هناك مسافة فراغية بسيطة بين خلية عصبية وأخرى .
إذن فكيف يعمل هذا الجهاز العصبي
والجواب عن طريق الرسائل الكيميائية : إذ تقوم كل خلية عصبية بإطلاق مادة كيميائية تعرف باسم الناقل العصبي , وذلك من نهاية محور الخلية العصبية الأولى , إلى جسم الخلية العصبية الثانية , وهكذا .
وقد وجد أن هناك أنواعا شتى لهذه النواقل العصبية , وقد اكتشف أيضا أن كل منطقة من الجهاز العصبي , والمسئولة عن وظيفة محددة , تعمل بنوع خاص من النواقل العصبية , لا تستخدم غيره
ولكن ما وظائف النواقل العصبية هذه , إ ضافة إلى أنها تنقل التنبيه من خلية عصبية إلى خلية عصبية أخرى , فقد وجد أن لكل واحد منها أدوار شتى في كثير من وظائفنا الحياتية والسلوكية
فمثلا فقد وجد ان الناقل العصبى الذي يعرف باسم النورأدرينالين , له دور في دورة النوم والاستيقاظ عند الإنسان " وجعلنا نومكم سباتا (9) وجعلنا الليل لباسا (10) وجعلنا النهار معاشا (11) النبأ
كما أن للنورأدرينالين دور في التعلم , وآخر في الذاكرة , وثالث في الوعي والانتباه وكذلك الشعور بالألم .
وإذا حدث اختلال في النورأدرينالين هذا , فستحدث أمراض المزاج MOOD DISORDERS مثل الاكتئاب Depression والجنون Mania , وأمراض القلق Anxiety disorders , ومثالها , نوبات الهلع Panic disorders , والمخاوف النفسية Phobias , والوسواس القسري obsessive compulsive disorders , واضطرابات القلق المعممة generalized anxiety disorder
أما الناقل العصبي والذي يعرف باسم السيروتونين , فله دور هام في أمراض القلق والتي سبق ذكرها Anxiety disorders , إضافة إلى العنف وأمراض المزاج أيضاmood disorders
أما الهيستامين فله دور عظيم في النوم والصحو , واضطرابات النوم التي تصيب الإنسان من أرق وقلق أو نوم زائد , كما أن له دور كبير في أمراض المزاج أيضا
أما الدوبامين , فقد وجد أن له دورا عظيما في أمراض المزاج Mood disorders , وفي فصام الشخصية ,Schizophrenia
وحتى بعض الأمراض مثل مرض الباركنسون ( الشلل الارتعاشي ) والذي أصاب الملاكم المسلم الشهير , محمد علي كلاي , ومرض Huntigton , والذي يترافق باضطرابات حركية كبيرة , فهي تترافق أيضا باضطراب في النواقل العصبية في تركيزها وكميتها أو مكانها ووظيفتها .
وخلاصة القول إن هذه النواقل العصبية , هي التي لها الدور الكبير في كل الأمراض النفسية التي تصيب الإنسان , وكل الاضطرابات السلوكية التي يعيشها الإنسان , ولها الدور أيضا وكما رأينا في دورات الإنسان من نوم وصحو وتعلم وذاكرة , ولها الدور الأكبر في العنف والاضطرابات الجنسية والاضطرابات المتعلقة بالشهية للطعام والأكل والجوع والشبع , والفصام , والتوحد عند الأطفال , والأمراض المراقية ( الأمراض المراقية هي أن يشعر الإنسان بأعراض جسدية وآلام مختلفة دون أن يكون لها سبب عضوي حقيقي , ولكن سببها الحقيقي هو أنها من منشأ نفسي , وليس هناك من خلا ل الفحوصات والتحاليل ما يدل على وجود سبب عضوي حقيقي).
كما ان لهذه النواقل العصبية دور كبير وهائل في اضطرابات الشخصية والتي تمثل الشخصيات الفصامية , وشخصيات جنون العظمة ( الشكاكة ) , والشخصيات الهستيريائية (الاستعراضية) , والشخصيات النرجسية ( الشريرة ) , والشخصيات المعادية للمجتمع ( الإجرامية ) , والشخصيات الوسواسية , والشخصيات المعتمدة على الآخرين , والشخصيات السلبية العدوانية ( العنيدة )
أقول كل هذه التنوعات النفسية السابقة , لها علاقة كبيرة ووطيدة باضطرابات النواقل العصبية التي ذكرناها , وليس هذا وهما بل إنه حقيقة علمية , فكل علم الأدوية المتعلقة بمعالجة الأمراض الاضطرابات النفسية السابقة يعمل على تعديل الناقل أو النواقل العصبية التي يصيبها الخلل في هذه الأمراض , وهو علم قائم بذاته , وقد حقق الكثير من النتائج الجيدة على مستويات الأمراض المختلفة , ولكني أقول مع ذلك أن ذلك يعالج العرض , ألا وهو خلل ( ارتفاع او نقص ) الناقل العصبي في مرض نفسي معين , دون أن يعالج السبب الحقيقي ( سبب ارتفاع او نقص الناقل العصبي في هذه الأمراض) .
وليس هذا فقط فقد وجد أن هذه النواقل العصبية , وهي كثيرة جدا ومتنوعة , وحتى في النوع الواحد منها , إذ هناك تحت أنواع وتحت فصائل مختلفة , ونحن لم نذكر إلا الشئ اليسير جدا منها , على سبيل المثال , فقد وجد أنها موجودة داخل الجسم بالنسبة لبعضها البعض , بنسب محددة وتركيزات ثابتة , بحيث أنه لو اختلفت هذه النسب ( مثلا أن يرتفع الدوبامين بالنسبة للنوأدرينالين مثلا ) فإن ذلك يؤدي إلى تغير المزاج من سعادة إلى حزن مثلا , ومن حبور إلى غضب , وأقول إن الأمزجة المختلفة التي يمر بها الإنسان من سعادة وحبور ومرح وغضب وحزن وانفعال وحنق وحقد وحسد ومكر وطيبة وخباثة ولوم وكيد ولؤم , ما هي إلا جزء من نتاج تفاعل نسب هذه النواقل العصبية مع بعضها البعض , وهنا بيت القصيد .
مم خلقت هذه النواقل العصبية ؟
فلنعد لذلك إلى ال.....در الذي تصنع منه هذه النواقل العصبية , فلقد وجد أن هذه النواقل تصنع من الأحماض الأمينية , والأحماض الأمينية كما نعلم هي وحدة بناء البروتينات في الجسم , وقد وجد أن بعض النواقل تصنع جميعها من حمض أميني واحد مثل الدوبامين والنورأدرينالين والسيروتونين والأستيل كولين , والهيسامين
أما بعض النواقل العصبية الأخرى فتصنع من بضعة أحماض أمينية وأمثلتها , الناقل العصبي , جاما أمينو بيوتريك اسيد GABA , والغليسين , والجلوتاميك أسيد , وهي تمثل ثلثي النواقل العصبية التي تعمل في الدماغ
أما النواقل العصبية الباقية فهي تصنع من عدد من الأحماض الأمينية لا تتجاوز المئة , ومن أمثلتها المورفينات الطبيعية , ( أي الموجودة طبيعيا داخل جسم الإنسان) مثل الإندورفينات والإنكيفالينات , والمسئولة عن تنظيم درجة الحرارة في جسم الإنسان , والمسئولة عن إحداث هجمة الصرع عند المرضى ال.....ابين بهذا المرض , كما إنها تعتبر مسئولة عن إحداث الفصام والإدمان على الكحول
وهناك المزيد المزيد من المئات من النواقل العصبية والتي أعتقد شخصيا أن العلم ما زال على أعتاب أبواب علمها , ومعرفتها معرفة تامة كاملة ومحيطية
ولكن ما يهمنا الآن هو السؤال التالي , كيف تصنع هذه النواقل العصبية والتي تؤثر على نفسية الإنسان وسلوكه وشخصيته وفكره وعقله , كما رأينا هذه التأثير المبين ؟
إنا تصنع عن طريق تفاعلات حيوية تتم خطوة بخطوة , كل خطوة من هذه التفاعلات الحيوية تحتاج إلى إنزيم معين يسير هذه التفاعل المحدد , وهذا الإنزيم لا يستطيع أن يعمل إلى إذا توافرت العناصر النادرة والفيتامينات التي تشكل قلبه وتسكنه , وأقصد بذلك مساعد الأنزيم CoA والذي يشكل مع الأنزيم نصفي الدائرة , أي الدائرة الكاملة , أو ما يعرف باسم الإنزيم الكامل Holoenzyme , والذي كم رأينا له القدرة الخارقة في فعل الأعاجيب , في إتمام التفاعل , وتوفير طاقة التفاعل وتوجيهه , كما يفعل قائد الجرافة المحترف مع الجرافة أثناء البناء , ومن ثم أقصد بذلك , صنع النواقل العصبية اللازمة والتي تلعب دورا عظيما وكما رأينا في سلوك الإنسان وفكره وشخصيته ونفسيته .